يؤدي وعي المعلم ومعرفته بالتدريس دورا كبيرا في تجديد طاقاته وتغيير أنماط حياته المهنية، وترسيخ مفهوم التدريس الأصيل على أساس من الرضا والتفاؤل، وفي تقديري فإن تفعيل طاقات الوعي لدى المعلم يتطلب تعزيز جانبين رئيسين يرتبطان بفكر المعلم ووجدانه وسلوكه، أولهما: الاتجاهات الإيجابية التفاؤلية: وفي ذلك ينمو الاتجاه الإيجابي لدى المعلم نحو مهنة التعليم بحيث يدرك حقيقة مهنته ويسعى إلى تطويرها والارتفاع بمستواها من خلال تقديره لهذه المهنة، والأخذ بالمفاهيم والمبادئ التربوية والنفسية عند التخطيط للعملية التعليمية، والاستزادة من العلوم التربوية والنفسية سواء عن طريق التعلم الذاتي أو التنمية المهنية المستدامة، وذلك من أجل الارتفاع بمستواهم المهني في مجال التعليم وتحقيق مزيد من الفاعلية لأدائهم في عملية التدريس.
وإذا كان بناء الاتجاه يتكون من ثلاثة مكونات معرفية ووجدانية وسلوكية، وبينها حركة تأثير وتأثر وخصائص عاطفية مختلفة.. فالاتجاه الإيجابي للمعلم من أهم العوامل التي تحقق له المزيد من الأهداف والغايات ، ومن أهم العوامل التي تسهم في تعزيز الرضا الذاتي للمعلم والاستقرار النفسي فمثل تلك البنية التفاؤلية والنظرة الإيجابية يفترض أن تولد لدى المعلم قوة مساعدة تكسبه مزيدا من الثقة في قدراته وتنمي لديه الاستعداد لمزيد من الإنتاج والعطاء فهو بذلك يعمل على عدم السماح للصورة السلبية بأن تنطبع في فكره وشخصيته وبالتالي يكون اتجاهه متوافقا مع ما يفكر به ويشعر ويترجم سلوكه، وذلك من خلال ما يمارسه من سلوك إيجابي يسعى من خلاله إلى جعل التدريس مصدرا لتجديد طاقاته وتنمية معارفه، وبالتالي يتولد عن ذلك تغيير نظرته إلى التدريس، فيصبح التدريس في نظره أداة لتطوير شخصيته نحو الأحسن، ومصدر لتطوير إبداعاته، وفرصة لممارسة دور القيادة والتوجيه.
أما الركيزة الثانية، فتكمن في تغيير القناعات السلبية، إن القناعات السلبية التي يحملها بعض المعلمين نحو مهنة التدريس، تولّد لديهم مثل هذا الإحساس والشعور، والنتيجة المترتبة على ذلك أن اقتصر دور المعلم عند حد شرح الدرس وتلقين الطلاب بالمعلومات والأفكار، لا يبال بتحضير جيد، أو تنويع في طرائق التعلم، أو إثارة لاهتمامات الطلاب وتنمية خيالهم العلمي، أو توظيف التقنية الحديثة في عرض الدرس، أو استخدام أساليب تشويقية تستثير اهتمامات الطلاب وتوجهاتهم المستقبلية، إذ قصر دوره على دور المعلم الملقن، فلا مجال لحوار أو مناقشة أو إضافة معلومة جديدة، وبالتالي افتقد هذا المعلم عنصر الإحساس بالمسؤولية، كما أنه افتقد لعنصر المبادرة والتجديد، فأصبحت نظرته إلى التطوير والتجديد نظرة المتأفف والمتثاقل والمتشائم، موقف المعارض لأنه سوف يرتب عليه تنوع في المهام، وتنويع في الممارسات، وبالتالي يجد هذا المعلم نفسه في وضع بائس يكرّر فيه نفسه كل يوم، وأن التعليم سبب له الكثير من الأرق والتعب، وأن الظروف الحالية التي يمر بها تقلل من فرص استمتاعه بالحياة، فهو صريع لميزان الربح والخسارة المادية، والحوافز والعوائق، يقابل بينها، دون نظر إلى رسالة التعليم وأهدافها السامية، فقد لا يحفل بها ولا تقع في دائرة همومه، فماذا يُنتظر من معلم الأجيال وهذه النظرة مسيطرة عليه، تملأ عليه مداركه وهمومه؟! فهذه وغيرها صور سالبة لها الأثر السلبي العميق في دور المعلم في سلّم الرقي والمجد وموقعه في المجتمع.
إن تغيير هذه القناعات السلبية لا يتم إلا من خلال الإرادة الصادقة القوية والعزيمة الوقادة، ويوم أن يدرك المعلم ما لهذه القناعة من أهمية وفائدة فإنه سوف تنقشع أمامه كل الحواجز وتهين أمامه كل الصعاب فيتغلب الضمير والعقل والفكر والقناعة على كل ما سواها، فلا الربح الذي يجنيه المعلم هو المقياس، ولا الحوافز المادية هي الهدف. إنني هنا أحيي جهود القائمين على وزارة التربية والتعليم اهتمامهم بموضوع تغيير القناعات لدى المعلمين وتعزيز مفهوم الايجابية لديهم ولا شك فإن الجهود المبذولة حاليا في برامج التوعية والتي انطلقت في الفترة الأخيرة من خلال المحاضرات التي يلقيها الشيخ خلفان العيسري لتشكل فرصة لمراجعة الذات والانطلاقة من الذات في تصحيح الممارسات وتحسين التوجهات، فإذا كان المنطلق في تلكم المحاضرات من قول الله عز وجل " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فإن معنى ذلك أن يكون حسن التوجه والإصرار على تغيير الممارسة السلبية إنما يكون من المعلم ذاته وستقف جميع مؤسسات الدولة مع المعلم في هذا التغيير الذاتي السليم والذي نأمل أن يكون عاملا مهما في مساندة جهود وزارة التربية والتعليم في توجهاتها الايجابية لغرس الثقة في المعلم وأدائه وبناء تواصل فعال بين المعلم ومهنة التدريس تقوم على الكفاءة والفاعلية والتمهين والشعور بالمسؤولية المهنية.
أخيرا وليس آخرا فبقدر وعيك أخي المعلم/ أختي المعلمة بعملية التدريس وإحساسك بمسؤوليتك نحوها وقناعتك بها، تتجدد طاقاتك ويصبح التدريس مصدرا للمتعة والفائدة وليس مجرد تحصيل حاصل، فتزول عن خيالك مقولة الضعفاء " أن التدريس مهنة من لا مهنة له"، وبقدر عطاءك يأتي الناتج متسما بالجودة، وبقدر ما تحمله في وجدانك وفكرك وسلوكك من اتجاهات إيجابية بقدر ما تتحقق أهداف التربية التي تسعى إليها مجتمعات الأرض قاطبة.