يعد موضوع تغيير القناعات من المواضيع الحساسة والمهمة في حياة المؤسسة التربوية بشكل خاص لتعاملها مع قدرات ومشاعر وأفكار مختلفة من الطلاب وغيرهم، وتغيير قناعات الطلاب أو بمعنى آخر تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي تتولد لدى الطالب بسبب ظرف ما ( نتيجة طالب الصف الثاني عشر في الفصل الدراسي الأول مثلا)، حول موقعه التعليمي وعن نفسه ومستواه ومستقبله العلمي والوظيفي يعتبر من أهم القضايا التربوية التي تعنى بها المدرسة الحديثة، وينبغي أن تمنحها الأهمية القصوى في ممارساتها وخططها التنفيذية.
والتغيير في مفهومه العام يعني تعديلا في السلوك يترك أثره على الفرد، ويهدف إلى تحقيق أهداف معينة قد تكون قصيرة الأجل، كما قد تكون طويلة الأجل.. ويتوقف مدى تحقيق الأهداف المنشودة على كيفية إدارة وإحداث التغيير بفاعلية، كما يعتبر تحديد أهداف التغيير بوضوح أهم الأسس والاعتبارات لإنجاح تغيير قناعات الأفراد، كما يتوقف وضع أهداف التغيير وتحديدها على تفهم أسباب وضرورة تلك الأهداف وأهميتها وكيفية تحديدها وأساليب تنفيذها، فهو باختصار محاولة جادة لرفع قدرات الفرد التي تمكنه من القيام بأداء دوره على أفضل وجه، وتمكينه من الوصول إلى مرحلة الإزهار ورفع مستوى الكفاءة الإنتاجية لديه.
وأسلوب تغيير القناعات مطلوب في مدارسنا، بهدف تحقيق مزيد من التفاعل والتكيف بين الطالب والبيئة المدرسية بما فيها من معلمين ومناهج مدرسية وبيئة صفية ومع زملائه الطلاب، بل يتعدى ذلك إلى ضرورة تكوين اتجاه إيجابي نحو نفسه ومستقبله، فالتغيير في أهم مظاهره إنما يحاول التوجه بالطالب نحو وضع أفضل ، يحسن إمكانية استغلال قدراته وكفاءاته ومهاراته، ويستثمر وقته، ويبادر في تحقيق منجزات مناسبة، ويستثمر الإمكانات التي توفرها المدرسة من معلمين أكفاء وبيئة مدرسية تربوية منظمة، ودروس تقوية ليحقق من الكفاءة الإنتاجية ما يرضي من خلالها نفسه وأهله وأسرته ومدرسته ومجتمعه.
وتأتي الحاجة إلى إحداث تغيير في قناعات الطلاب بمدارسنا- وخاصة طلبة الصف الثاني عشر- لأسباب عدة تتمثل في ، ضعف درجة الطالب في الفصل الدراسي الأول، وعدم حصوله على المستوى العلمي المأمول والمشرف الذي يرضى عنه وأسرته، وشعوره بالنقص وعدم القدرة على مواصلة النجاح، والفشل في المستقبل، وعدم الثقة بالنفس، مما يترتب عليه اللامبالاة والكسل والإهمال وعدم الشعور بالمسؤولية ، وإثارة الفوضى في الفصل، ووجود درجة كبيرة من القلق والتذبذب لدى الطالب، فتنهار قواه الفكرية، وتنسد أمامه أبواب المستقبل ، وتنغلق أمامه مصابيح الأمل، فيتعكر مزاجه، حتى يشعر أنه يدرس بدون هدفـ، وأن الآمال قد تحطمت والأبواب قد أغلقت، وأن الرزق قد قطع عنه، فلا أهمية في دراسة أو في حياة .
هذا هو الواقع الذي تشهده مدارسنا خاصة بعد ظهور نتيجة الفصل الدراسي الأول من كل عام دراسي، وهذه هي حالة طلابنا وطالباتنا، فتزول تلكم الحيوية التي كانت الموجودة عند البعض بعد ظهور نتيجة الفصل الدراسي الأول، ويعتقد الطالب بأن باب الرزق أو الجامعة التي يأمل أن يلتحق بها قد أغلقت أبوابها أمامه، حتى أصبح الطالب ينظر إلى المدرسة كأنها كابوس عليه " كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون".
وإزاء هذا الواقع الأليم المحزن، وإزاء هذه النظرة التشاؤمية في الحياة وإلى المستقبل الذي يتولد عند طلابنا وأبنائنا وهم في سن الزهور، وبداية الحياة الإنتاجية، يصبح هذا الفكر ملازما لهم، وهذه النظرة التشاؤمية رديفة لمستقبلهم، تسير معهم أينما ساروا، ويتجهون بها أينما اتجهوا، بل أنهم يبادرون بها كل مسئول أو مشرف أو معلم يأتي لزيارة المدرسة أو الصف الدراسي، وتصبح أصابع الاتهام لموجهة للمعلم ووزارة التربية بأنهما السبب في ضياع مستقبلهم، وأنهما السبب في هذه الكارثة. لقد ضاع المستقبل وضاعت أبواب الأمل، وجاءت مصابيح الظلام لتخيم في الأفق بعد نصف عام دراسي مليء بالحيوية والتميز والمبادرات والنجاحات والتفوق.
يسأل أحدهم نفسه لقد أجبت عن كل الأسئلة التي كانت في الورقة الامتحانية، ويقول آخر لم أترك سؤالا واحدا لم أجب عنه، ويقول ثالث لقد راجعت الامتحان مع المعلم الفلاني وتبين لي بأن إجاباتي كانت صحيحة، ويقول رابع كنت أتوقع أن أحصل على 95% ، فلماذا يا ترى حصلت على أقل من ذلك بكثير، وما درى " تجري الرياح بما لا تشتهي السفن".
وإزاء هذه الفوضى الفكرية العارمة، وإزاء هذا الصخب الذي يقض مضاجع أبنائنا في صفوفهم الدراسية، وإزاء هذا الضجيج الصادر منهم عند زيارة مشرف أو مدير أو.. أو ...أو... إلى الفصل، ما المطلوب من مدارسنا، هل عليها أن تقف مكتوفة الأيدي تنظر بعين وتغمض العين الأخرى تجاهلا لما يحدث، ثم في النهاية يكيلون التهم على الوزارة وأن لها رؤيتها في ذلك.
إن الدور المطلوب من مدارسنا بما تحوية من عناصر أن لا تقف موقف المتفرج مما يحدث بل عليها ، أن تعيد الأمور إلى نصابها، ليس بالضرب، ولا بالتسكين ، ولكن بفتح مصابيح الأمل لدى الطلاب، وتغيير الاتجاهات السلبية إلى اتجاهات إيجابية، تنظر إلى التفاؤل وتدعو إليه " تفاءل بالخير تجده" ، تلك أزمة وستنتهي وسيجعل الله لكم التفوق في الفصل القادم" من جد وجد " ، " إن الله لا يضيح أجر من أحسن عمله"، " إن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا"، تفاءل بالخير تجده،" لا تبك على فائت"، "اعمل لدنياك كأنك تعيش غدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"، " لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس"، "ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك" ، وفي السماء رزقكم وما توعدون"، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب "، إن الله لا يضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى".
ومع قناعتنا بأن مدارسنا لا تتوفر فيها مراكز الإرشاد النفسي ، وبعضها لا يتوفر بها الأخصائي الاجتماعي، إلا أن الأمر يتطلب وضع إستراتيجية واضحة وخطط علمية مدروسة لمعالجة هذا الجانب ، وبالتالي يتطلب تفعيل هذا الجانب أن تبذل إدارة المؤسسة التربوية ومعلميها والأخصائي الاجتماعي بها كل السبل والوسائل والأساليب التوجيهية والإشرافية للقضاء على بعض الاتجاهات الخاطئة والإيحاءات السلبية أو التي تدعو إلى الفشل واليأس والإهمال، وأن تقوم بعمل حقيبة إرشادية تعتمد مجموعة من البرامج الننوعية المتميزة التي ترقى بفكر الطالب، ويتوقع لها تأثير في تغيير اتجاهات الطلاب ، والقيام بسلسلة من المحاضرات أو الندوات المخططة أو برنامج عمل متكامل حول تغيير القناعات من خلال الأخصائي الاجتماعي بالمدرسة أو من خلال دعوة بعض المتخصصين في علم النفس والتنمية البشرية أو مراكز الإرشاد النفسي في عمل مثل هذه البرامج. كما لا ينبغي أن تصبح هذه الخطة مجرد حبرا على ورق ، بل تتم تنفيذها ومتابعتها والإشراف عليها من قبل إدارة المدرسة، وتشكل اللجان المتابعة لها سواء على مستوى المنطقة التعليمية أو على مستوى المدارس، وتخصيص برنامج زمني مناسب لانجازها، مع إطلاع أولياء الأمور على خطط المدرسة في هذا الجانب، بحيث يتم التركيز على طلبة الصف الثاني عشر، ومتابعة أثر ذلك من خلال أدائهم في المواقف الصفية، وعلى الإدارة التعليمية بالمناطق عمل برنامج إرشادي وتوجيهي للمدارس التي تحوي الصف الثاني عشر، ومتابعتها بصورة مستمرة واتخاذ البدائل والأساليب المناسبة بيث تطبق على جميع المدارس .ورفع تقارير دورية مستمرة حول جهود المدارس والمناطق التعليمية في هذا المجال.
وعلى هذا فإن تحقيق ما سبق على أرض الواقع يتطلب تكامل دور الأسرة والمدرسة من خلال ما يأتي:
1- بيان دور الأسرة في أهمية ترسيخ الهدف من الحياة ، والوقوف مع الأبناء لتحديد مسارات حياتهم المستقبلية.
2- اكتشاف مواهب الطالب والخصائص المتميزة في شخصيته والتي قد تساعده في اختيار مسارات المستقبل.
3- التأكيد على أهمية دور الطالب في تغيير شخصيته وتحديد أهدافه باعتباره المسئول المباشر عن المستقبل والشخصية.
4- اختيار المدرسة لنوعية البرامج التوعوية التي تركز على ( بناء الثقة بالنفس وصناعة التفكير الإيجابي، والتخطيط للمستقبل).
5- تفعيل دور الإرشاد النفسي والاجتماعي داخل المؤسسة التعليمية، وعدم الاقتصار على حل المشكلات الموقفية والانطلاق نحو بناء فكر إيجابي قائم على أسس الثقة والإيجابية والابتعاد عن الإيحاءات السلبية.
6- التخطيط الجيد في تحديد مسارات الأنشطة التعليمية بحيث تعمل على تعزيز أدوار الإرشاد النفسي.
7- دعم النماذج الإيجابية من القيادات الطلابية وإخراجها بالشكل المطلوب داخل المجتمع المدرسي( صناعة القدوات في المدارس).
إننا نأمل أن تولي مدارسنا هذا الموضوع أهمية كبيرة، وأن تعمل المناطق التعليمية بدورها على مساندة جهود المدارس في هذا المجال، بحيث تكون منظمة ومنسقة وتعطى قدرا من العناية والاهتمام، للنهوض بأبنائنا الطلاب والسير بهم نحو مستقبل مشرق سمته التفاؤل والمحبة والخير .
من أجل تحول وطني في مفهوم المواءمة بين التعليم وسوق العمل
من أجل تحول وطني في مفهوم المواءمة بين التعليم وسوق العمل؟
ماذا يريد القطاع الخاص من التعليم؟
وكيف يمكن لنظام التعليم أن يلبي احتياجات سوق العمل الوطني؟
وهل سيعمل مجلس التعليم على سد الفجوة الحاصلة في مفهوم المواءمة؟
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
10- 12- 2012م
Rajab.2020@hotmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يثير موضوع ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل تساؤلات عدة واستفسارات متنوعة تشوبها علامات التعجب والاستغراب والإنكار تارة والقناعة بأن ما أنجز على المستوى المؤسسي هو الحد المقبول وأن ما يتم في هذا الموضوع من ممارسة كاف تارة أخرى، في ظل عمل ما زال لم يتحول من مرحلة الاجتهاد الفردي المؤسسي، وفي هذا الاطار تظهر على السطح مجموعة من النقاط التي يفترض أن تكون بمثابة المدخل عند التطرق لموضوع المواءمة والإجابة عن التساؤلات التي طالما تتكرر على ألسنة القائمين على مؤسسات التعليم أو حتى توصيات البحوث والدراسات والتي لم تستطع إلى اللحظة إيجاد معالجة متوازنة واقعية مستدامة في الخروج من أزمة عدم المواءمة والوصول إلى مرحلة المواءمة المنشودة ، فما الذي يريده القطاع الخاص من التعليم؟، وهل لدى القطاع الخاص منظومة كفايات محددة يطلب من التعليم العمل بها؟ هذا في مقابل الأسئلة التي تتردد على ألسنه القائمين على القطاع الخاص بأن مخرجات التعليم غير قادرة على تلبية طموحات القطاع الخاص وتتسم بالجمود وعدم القدرة على التفاعل مع مستجداته، في حين ان الاجابة عن هذا التساؤل الأخير تكمن في السؤالين المطروحين سابقا؟ هذه الأسئلة وغيرها تتكرر وتعاد صياغتها بأساليب مختلفة لكنها تتمحور حول فكرة واحدة تشير بوضوح إلى أن الجميع يفتقدون إلى مؤشرات دقيقة واضحة في رصد فعل المواءمة ، وفي فهم متطلباتها، وفي قياس نواتج تحققها من عدمه والسبب في ذلك يكمن في أن القراءات كلها إنما تعطي مؤشرات تقريبية، وليست احتياجات دقيقة مشفوعة بالأرقام والإحصاءات، هذه النقاشات والمجادلات والمزايدات والمغالطات- ان صح التعبير تسميتها-عندما تقتصر على مجرد اتباع سياسة الكيل بمكيالين ولم يكن همها ايجاد مخرج من الأزمة أو الوصول إلى رؤية مشتركة تجمع جميع الأطراف ذات العلاقة على طاولة واحدة يتداول فيها الحديث عن كل حيثيات الموضوع للوصول الى حلول أو بريق أمل يخرج الموضوع الى حيز الفعل الوطني المشترك المستفيد من كل الفرص المتاحة والدعم الحكومي المعزز بالإرادة السامية لمولانا جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه في اهمية تقديم معالجة شاملة نوعية للموضوع تراعي جميع المتغيرات وتستشرف مستقبل الوطن ، كون أنه من أولويات المرحلة الحالية التي تمر بها السلطنة والمرحلة القادمة التي تستشرفها من خلال مراجعة سياسات التعليم وخططه وبرامجه وتطويرها بما يواكب المتغيرات،
إن الوصول إلى تحقيق الرؤية الطموحة من عملية المواءمة تتطلب نوعية جديدة من المعالجة تؤكد قبل كل شيء على أهمية قناعة الجميع بأن ما يتم تقديمه حاليا في هذا المجال إنما يأت كاجتهادات تقوم بها المؤسسات في إطار رؤيتها لمسؤوليتها الوطنية ، وبالتالي قد تفتقد أو تبتعد عن الممارسة الحقيقة للمواءمة، وفي الوقت نفسه أن يدرك الجميع الحاجة إلى فعل مشترك يؤطر ضمن استراتيجية وطنية ترسم الطريق للمواءمة وتؤصل لدى المؤسسات الثلاث ( التعليم المدرسي والتعليم العالي، وسوق العمل( القطاع الخاص) أهمية العمل من أجل تحقيق المواءمة، هذا بلا شك يدعونا قبل الدخول في خضم نقاشات هذا الموضوع أن نعي الطبيعة المتغيرة التي يستدعي المفهوم العمل في ظلها، فهي بمثابة محاور يستند إليها في أي مناقشة لموضوع المواءمة، وبالتالي فإن فهمنا لها هو دليل قناعتنا بما يمكن أن ينتج عن هذه المناقشات والتساؤلات من جهد وطني مشترك، وتتمثل في الآتي:
• الطبيعة المتغيرة لسوق العمل واتسامه بالديناميكية وسرعة التحول فما هو مقبول من تخصصات اليوم قد لا تكون له تلك الاهمية في سنوات قليلة قادمة .
• التحول النوعي في طبيعة المهارات المطلوبة بما يتواكب مع مهارات سوق العمل العالمية.
• وجود تغيير مستمر في احتياجات سوق العمل بتغيير السياسات والتوجهات الوطنية والمؤسسية، وبالتالي عدم وجود مؤشرات واضحة في العمل حول السقف من المهارات والنواتج التي تتوفر لدى الخريج في التعليم المدرسي خاصة.
• السياسة العامة للدولة وما تريده من التعليم، والشكل الناتج المتوقع منه.
• فلسفة التعليم وحدود عملها ومستوى المعالجة المطروحة لمحتواها النظري والفهم المتحقق لدى الآخر بشأنها، هذا بالإضافة إلى أن فلسفة التعليم بالسلطنة والإطار النظري العام الذي بنيت إليه يشير بوضوح إلى أن من بين غايات التعليم هو اكساب المتعلم مهارات العمل وقيمه، وليست المراد هنا مهارات تخصصية بل هي مهارات أساسية مرنة لا تتجاوز طبيعة المرحلة التعليمية ونوعية التعليم والذي يؤطر في حدود مناهجه ومادته ومحتواه وطبيعة الطالب في مرحلة التعليم المدرسي ، وهنا توجه الأنظار إلى التعليم العالي الذي يفترض أنه يعد الطالب لتخصصات محددة في القطاع الخاص أو سوق العمل
• التنوع في طبيعة عمل مؤسسات وشركات القطاع الخاص ذاتها.
• هل دور مؤسسات التعليم اعداد متعلم جاهز وذو قالب واحد محدد يلبي كل طموحات ومؤسسات القطاع الخاص؟
• نوعية السوق المحلي ذاته وقدرته على تلمس احتياجاته ذاتيا،
• مدى قدرة السوق المحلي على امتلاك خاصية استشراف المستقبل،
• هل توجد رؤية واضحة وموحدة بالقطاع الخاص حول ما يريده من التعليم؟ وهو ما يعني مدى امتلاك القطاع الخاص لرؤية واضحة مقننة متفق عليها بين جميع مؤسسات القطاع الخاص والشركات في سقف معين تريده من التعليم
• إن سوق العمل ما يزال غير مستوعب لخريجي بعض التخصصات النوعية في مؤسسات التعليم العالي، والدليل على ذلك أن الكثير من التخصصات النوعية التي ادركت مؤسسات التعليم العالي قيمتها وأهميتها على المستوى الوطني لم يستطع سوق العمل استقبال خريجيها لذلك اتجهوا لأعمال ومهام أخرى قد لا ترتبط بتخصصهم، لعدم وجود الميدان الحقيقي الذي يمكن أن تعمل فيه هذه الكفاءات.
• موضوع المواءمة الحاصلة هو أقرب للاجتهاد المؤسسي فلكل المؤسسة اجتهادات في فهمها للموضوع وتقديرها للوضع والإطار الذي تعمل فيه لتحقيق المواءمة. وهو ما يجعل في المقابل مؤسسات التعليم تثق بأن ما تقدمه في ظل عدم وجود رؤية واضحة معتمدة من سوق العمل هو كاف ويحقق الغرض من التعليم ويؤكد على سلامة النهج الذي انتهجته، كون مؤسسات سوق العمل لم تحدد المهارات التي تريد وهي تختلف من مؤسسة لأخرى وفي قطاعات متنوعة بسوق العمل الوطني
• امكانية وجود نقاط مشتركة يمكن الاستفادة منها في الجانبين للوصول إلى رؤية موحدة وطنية في ايجاد مواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
• إن فهم عملية المواءمة وتحقيق متطلباتها يستدعي النظر في مجموعة من الأمور من بينها السياسة العامة للدولة في التعليم وما تريده من التعليم، هل تريد أن تكون دولة سياحية أم تجارية، أم صناعية، وما نوع الصناعات هل ثقيله أم متوسط الخ، هذا بلا شك سيكون محدد عام يضع سياسات التعليم في إطار محدد وبالتالي هو أمر قد لا يكون لمؤسسات التعليم علاقة به بقدر ما هو رؤية عامة لسياسة الدولة وتوجهاتها المستقبلية،
• إن مما ينبغي الاشارة إليه هو أن السائد في العالم المتقدم كله هو أن التعليم المدرسي خاصة لا يعد الطالب لمهارات تخصصية ، بل مهارات الحياة المرنة، كما أن توفير شخص جاهز بكل المواصفات لا يمكن لمؤسسة معينة لوحدها تحقيقه بل هو عمل وطني مشترك تتفاعل فيه جهود كل المؤسسات المعنية ببناء الإنسان وصقل مهاراته، وما أشار إليه تقرير اللجنة الدولية لتطوير التعليم من مهارات اربع إنما يمهد لمرحلة التفاعلية في البناء المؤسسي ويؤصل لثقافة التكامل وتقاسم المسؤوليات بين المؤسسات في اعداد المتعلم لمهارات الحياة المختلفة.
من هنا تأت أهمية النظرة الشمولية المتسعة عند أي معالجة تتناول موضوع المواءمة، بحيث تضع في أجندتها القدرة على الاجابة عن كل التساؤلات المطروحة من قبل كل الأطراف، مشفوعة بالمعايير والمؤشرات والخطط والبرامج والأدلة ونواتج العمل والإحصائيات والأرقام والتي بلا شك تضع أطراف العمل الثلاث في مرحلة تحول جديدة تتطلب منها المزيد من التنسيق والتكامل والتفاعل والترابط وإيجاد أدوات قياس محددة وواضحة ومعايير أداء مقننه وإطار عمل محدد في إطار وطني يستشرف مستقبل المواءمة التعليمية ويضع مؤسسات التعليم العالي والتعليم المدرسي والقطاع الخاص الذي يمثل سوق العمل أمام مرحلة مهمة تضع في اولوياتها مراجعة شاملة لكل السياسات والخطط والبرامج ليست فقط على مستوى مؤسسات التعليم بل أيضا على مستوى منظومة القطاع الخاص بالسلطنة ليصل إلى مرحلة تتأكد فيها ثقة الإنسان العماني بما يمكن أن يؤديه القطاع الخاص من دور من أجل الإنسان، وثقة الحكومة بقدرة القطاع الخاص على الوفاء بتعهداته والالتزام بمسؤولياته التي تطلبتها مراحل التنمية باعتباره الشريك للحكومة في احداث التحول النوعي .
إن هذا التوجه يتطلب بلا شك أن تضع مؤسسات التعليم لنفسها معايير أداء محددة، ورؤى واضحة وهي بذلك تطرح لتحول نوعي يستشرف مرحلة جديدة من العمل التنموي المشترك الذي يفترض أن تنتهج فيه المؤسسات نهج أخرى تؤكد على الشراكة والحوار ووضوح الرؤية وبناء المعايير والشفافية والصراحة المؤسسية ، وبالتالي تتحول الثقافة السائدة من ثقافة الكيل بمكيالين ورمي التهم على الآخر، والتقليل مما يقدمه الآخر من جهود ومبادرات، إلى مرحلة العمل الوطني المسؤول الذي يعمل على انجاز متحقق ، وهي في الوقت ذاته فرصة لصياغة واقع جديد يبني على النقاط المشتركة وينطلق من مؤشرات عمل محددة تتفاعل في إطارها جوانب العمل الثلاث، وتنطلق من الحرص على صياغة رؤية وطنية مشتركة واضحة في هذا الموضوع تنقل مرحلة المواءمة من التنظير إلى الفعل الذي يظهر على شكل برامج وخطط وتوجهات ومشاريع ومبادرات ونماذج عمل محددة، وبالتالي لا بد من وجود صورة واضحة للمخرج من ازمة المواءمة التي تثار بشكل مستمر دون وجود رؤية واضحة تحتويها او تترجم عملها،
وعلى هذا فإن بناء رؤية واضح للقضية يخرج موضوع المواءمة من أروقة المجادلات والمناقشات القاصرة عن بلوغ الغاية وتحقيق الطموح والتي لا يتجاوز مرحلة الاتهام واثبات الذات والتنكر للأخر بما يقدمه مع أنها جميعا لا تخرج جميعها من دائرة الاجتهاد المؤسسي وتقدير كل مؤسسة للوضع والمجال الذي تعمل فيه طالما لا يوجد اتفاق وطني مؤسسي على نوعية الخريج المطلوب، هو طرح هذا الموضوع في سياق وطني على شكل ندوات ولقاءات نوعية متخصصة تجمع القائمين على هذه المؤسسات بهدف الوصول إلى رؤية وطنية موحدة تعالج موضوع المواءمة في إطار السياسة العامة للدولة وتضع مؤسسات التعليم أمام واقع فعلي يعزز من مسؤولياتها في المراجعة الشاملة لسياستها وخططها وبرامجها بما يقرب صلتها من تحقيق رؤية المواءمة المطلوبة التي يستشرفها الوطن، ويضع مؤسسات القطاع الخاص أمام مسؤوليتها الحقيقية التي تتجاوز تكهناتها في ما يقدمه التعليم من مخرجات وانطباعها القاصر عن الاثبات بالدليل والشواهد، وبالتالي دعوتها في مراجعة شاملة أيضا لسياستها وخطط وبرامجها وتشريعاتها والتزاماتها وقدرتها على احتواء الكفاءات الوطنية ، وهو ما يمكن أن يضعها امام واقع لا مجال لتجاوزه بحجج غير مقنعه، وبالتالي فهي رؤية لبناء عمل مؤسسي يتفق الجميع عليه يمكن للمؤسسات السير عليه والأخذ به، هذا الأمر أيضا يدعو مجلس التعليم إلى تبني آليات واضحة في رؤية المواءمة وإيجاد نسق محدد من الفعل الوطني القائم على التنسيق والتكامل بين مؤسسات التعليم وسوق العمل، فهل سنجد من يسعى لمبادرة وطنية بشأن المواءمة؟ هذا ما نأمله.
وإلى لقاء آخر