في عصر التنافس على الجودة تأتي أهمية المبادرات الفردية والجماعية التي يقدمها المعلم على رأس أولويات التميز التي تنشدها المؤسسات التربوية، وحلقة متواصلة نحو التجديد والتغيير والتطوير، فالمعطيات والمتغيرات التي أفرزتها العولمة الكونية بحاجة إلى خبرات وأساليب وطاقات واستعدادات ومهارات للتعامل معها بدقة وعناية - إنها وبمعنى آخر بحاجة إلى معلم يتميز بأنه مبدع ومبتكر قادر على التفاعل مع هذه التطورات والتغيرات في كافة المجالات العلمية والتدريبية والمهنية والتكنولوجية. وفي هذا يجب أن يظل المعلم مهموما دوما بتنمية الجوانب النفسية والفكرية والاجتماعية التي تعمل على تهيئة المناخات الملائمة التربوية والصحية الآمنة في مدرسته، وفي هذا المناخ يتعلم الثقة بنفـــسه وبمن حوله والتسامح والرضا والقناعة والمساواة والعدالة والأمانة فتسري في نفسه الطمأنينة والقناعة وحب المهنة والمؤسسة والناس والعالم من حوله.
إنني على يقين بأن مدارسنا اليوم بحاجة إلى معلم مبادر يدرك دوره ويفقه مسؤوليات، يعرف حقوقه وواجباته، ويسهم بشكل فاعل في إحداث نقلة نوعية نحو التجديد والتطوير المستمر، يبادر ويشارك ويقدم مستويات متقدمة من التجديد والإسهام بالاقتراحات والتصورات في مجال تطوير وتحسين أساليب العمل، من خلال مشاريعه المتواصلة، فالمعلم المبادر في تقديري ليس إذاً أقوال بلا أفعال، وليس من يدندن للتطوير والتجديد، وهو لا يعي مفهومه ولا يدرك مقتضياته ومتطلباته؛ بل إنه من يترجم تلك الحقائق والمسلمات إلى سلوك وواقع ملموس فهو: يستمتع بالتحدي وإمكانية التعلم كنتيجة لهذا التحدي، ويظل يبحث عن وسائل جديدة لإحداث التغيير ويتساءل عن الجديد والحديث باستمرار، كما أنه يتميز بعقلية متفتحة مساهمة ومشاركة في عملية البناء والتغيير الهادف، فلا يقف من التجديد موقف المقاوم المعارض يرضى أن يستمر على ما هو عليه لأن الجديد سوف يرتب عليه مسؤوليات جديدة ومستويات عليا من التفكير والإبداع، وهو في نفس الوقت يترجم معنى الولاء والانتماء للمهنة والمؤسسة وللوطن ولقيادته إلى واقع ممارس في الفكر والسلوك، فهو منتم إلى مهنته قلبا وقالبا وليس هدفه العائد المادي من هذه المهنة، فهو معلم رسالي أكثر من كونه معلم وظيفي، وهو في نفس الوقت يلتزم بأداء الأدوار والمهام الموكلة إليه بعيد عن الذاتية والمصلحة الشخصية، بحيث تكون مصلحة المؤسسة ورقيها والنهوض بها هي الهدف الأسمى والغاية الأعلى التي يسعى لتحقيقها، وهو ذلك الذي يبتعد عن التفكير التقليدي إلى التفكير الإستراتيجي بعيد المدى الذي ينظر إلى مستقبل المؤسسة بما ينقلها إلى مرحلة السمو والريادة، كما أنه لا يقف عند حد تخصصه أو وظيفته، فتجده دائم التطوير الذاتي والتعليم المستمر، كما أن لديه شغف واهتمام بثقافة الإبداع والابتكار، يُحسن الاستفادة من استخدام الطرق والأساليب الحديثة في أدائه لعمله.
ولعلي لا أكون مبالغا إذا ما قلت أن مربط الفرس في هذه القضية ناتج من أن المفهوم السائد في أوساط المعلمين أنهم لا تقبل مبادراتهم ولا يؤخذ باقتراحاتهم، وأن عليهم فقط تنفيذ السياسة التربوية، وهو في تقديري نظرة تشاؤمية ينبغي أن نبتعد عنها على غير رجعة، وهي تشبث بأوهام وتخيلات لا تحقق للمعلم ولا للتربية والتعليم أي هدف أو تقدم، لأنها دعوة إلى الخمول وعدم الفاعلية.
والحقيقة أن وزارة التربية والتعليم ومن خلال ما أحدثته من تجديد وتطوير تدعو معلميها إلى التجديد والمبادرة والإنتاجية والعطاء المستمر، فهي ترى في المعلم أساس التطوير وسر النجاح، وهو صانع التنمية التربوية والذي يرجى منه أن يرسم سياستها على خير دليل، وفي المقابل فهو من يترجم عمليات التطوير في الواقع للوصول إلى مخرجات أفضل في العمل التربوي ويسعى من خلال ما يقوم به من ممارسات وعمليات في المواقف التعليمية إلى إبراز جوانب القوة والضعف ليجعل من نفسه خير معين للتطوير والإصلاح.
وأختم حديثي بوقفة بسيطة أسأل فيها معلمي الفاضل على وجه الخصوص، هل تريد أن تكون إنسانا ناجحا في مهنتك؟ أعتقد أن الإجابة تكون بنعم؛ إننا جميعا نريد ذلك، ولكن الفرق الحقيقي يكمن بين الإرادة وبين مباشرة الفعل لتحقيق هذه الإرادة، إن المبادرة ونوعية هذه المبادرة والجديد الذي تقدمه هي الفيصل في ذلك كله. فهلا أدركنا فعلا هذه الحقيقة؟ لعلنا نجد الجواب.