لقد أظهرت التقارير والمتابعات المستمرة مدى الحاجة إلى تفعيل ثقافة الحوار التربوي، وتعزيز مستوى التواصل بين المعنيين ، وأكدت على ضرورة إيجاد آلية واضحة في إدارة الحوار التربوي بشكل عملي محدد يفهم كل فرد فيه دوره ومسؤولياته نحو الآخر. فإن الكثير من الإشكاليات التي تتلقاها الجهات المعنية يعود معظم أسبابها إلى المستويات المتدنية في حسن الاستماع من جانب البعض في المدارس و الإدارات التعليمية ، وغياب التواصل الصحيح البناء، فعلى مستوى المدارس كم من معلم لجأ إليه طالب، ولم يجد آذاناً صاغية؟ وما لجوء البعض للمعنيين والجهات العليا بديوان عام الوزارة لبث مشكلاتهم وشكواهم إلا دليل واضح يؤكد الحاجة إلى إدارة الحوار في المدارس ، ناهيك عما يترتب عليه من لجوء هؤلاء المعلمين إلى ديوان عام الوزارة من زيادة حجم المسؤوليات وتحول في مسار الأولويات للاهتمام بالمراجعين والاستماع لمشكلاتهم والتي كان بالإمكان أن تحل على مستوى المدرسة والمنطقة إذا ما تمت إدارتها- أي المشكلة- بحكمة وروية في إطار المدرسة والإدارة التعليمية. واذكر مثلا في إحدى زياراتنا لبعض المدارس ولقاءنا بالعديد من الطلبة أثاروا مسالة الحوار التربوي بالمدرسة ومن بين ما تم ذكره: " نحن متحاجون للمعلم الذي يحاورنا ويوجهنا ويقف معنا ويساندنا ويعزز من قدراتنا ويبني آمالنا وتوقعاتنا لغد أكثر زهوا وإشراقا" ، إن الجميع يدرك أن ما يعرفه الطلاب اليوم من معلومات قد تفوق مع يعرفه المعلم، وتبقى قدرة المعلم على احتواء طلابه وتقديرهم واحترامهم وتأكيد تواصله الايجابي بهم هو الحل للكثير من الإشكاليات التي قد تظهر بين فترة وأخرى في جوانب التحصيل الدراسي والدافعية والانقطاع عن الدراسة، وينطبق هذا على جميع عناصر المنظومة التعليمية في علاقة تبادلية تكاملية داخل المدرسة وخارجها، وهكذا تصبح أساسيات التواصل والحوار هي ما ينبغي أن توجه له الجهود تشخيصا ودراسة.
إن ما سبقت الإشارة إليه يحمل دلالات مهمة ، منها تأكيد القناعة بالحاجة إلى زيادة جرعات التواصل وثقافة الحوار في المجتمع التربوي ، وتأكيد أهمية الاستمرار في نهج الوزارة في عقد الاجتماعات الدورية واللقاءات التربوية، والاستفادة من الطلاب ومهاراتهم في إدارة المدرسة وبناء التعلم الفعال، فالحوار فن، والتعامل من خلاله يؤصل لمنهج التعاون والابتكار والدوافع والالتزام وبناء العلاقات الإنسانية المعززة للتطوير والتجديد في الأداء ويرسخ الانتماء الوظيفي والثقافة المهنية الواعية.
إن مدارسنا تمتلك الكثير من الموارد البشرية والمادية والتقنية، فإن الاستثمار الأمثل لها سوف يعزز من قدراتها نحو بناء جيل واعي، وفي نفس الوقت سوف يعزز من قدرة نظامنا التعليمي على تحقيق غاياته وربط برامجه ببرامج التنمية الوطنية، فإن الحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى – في ضوء وجود مؤشرات في هذا المجال - إلى إدارة لهذا الحوار التربوي التفاعلي معزز بالبرامج والمناشط ، وبناء القدرات والاستعدادات والمهارات لدى كل من التحق بمهنة التعليم أو عمل في وزارة التربية والتعليم، وهو ما يعني أننا بحاجة إلى برنامج عملي لإدارة الحوار التربوي على المستوى التعليمي بمختلف مستوياته من جهة وعلى المستوى المجتمعي ليصبح التعليم هو نتاج شراكة مجتمعية يعمل الجميع على الإسهام في صياغتها وصنعها وتوجيه مساراتها. إن ما سبق يؤكد أهمية اعتماد الحوار كوسيلة لمعالجة القضايا والمطالب المطروحة مع العمل على ترسيخه كثقافة وسلوك لدى جميع مستويات العمل التربوي.