لقد فرضت العولمة الكثير من المتطلبات على دور المعلم وطبيعته في الألفية الثالثة، مما يستدعي ضرورة التعامل معها بمنهجية علمية وبرؤية متجددة وفكر مستنير يجمع بين الأصالة والثوابت والمعاصر والتقنيات الحديثة، وأن تكون نظرته في القضايا المعاصرة نظرة المتأمل والباحث والمحلل في ضوء رؤية شمولية متسعة متوازنة بعيدة عن التخوف والسلبية والنظرة الضيقة الأحادية الجانب في تفسير الأمور بما ينطبع على اتجاهاتهم المستقبلية وتنغرس في سلوكيات طلابهم على المدى البعيد.
وقد يرى البعض بإمكانية إيجاد العذر لأصحاب هذه المنطلقات الفكرية فيما يفكرون فيه وفيما يدور في خلجات أفكارهم، فهم تدربوا على وسائل تقليدية اقتصرت نظرتها على تخريج معلم ملقن تقليدي غايته النهائية أن يدخل على طلابه ويشرح لهم الدرس بطريقته المعتادة، دون أن تكون لهم أدوار نوعية أخرى، بالإضافة إلى أساليب التدريس المعتمدة على التلقين والحشو، ناهيك عن عدم وجود فلسفة واضحة للمعلم الذي نريد، كيف يفكر، وكيف يعالج الأمور؟ وكيف يتصرف في المواقف؟ وكيف يحاور، وكيف يتحدث؟ وكيف يحلل، فلم تكن تلك الوسائل والأساليب تضع في الحسبان أيا من هذه الأمور؛ وعزز هذا كله النظر إلى طبيعة دور المعلم بأنه من يملك زمام المعرفة، وأنه ركيزة الموقف التعليمي وأن المتعلم مجرد متلق فقط لا حول له ولا قوة، مع ما نتج عن ذلك من جمود في الفكر، وضعف في التفكير وتركيز على ثقافة الذاكرة بدلا من الإبداع والابتكار، حتى أضحت مساحات الحوار ضيقة وتعدد الآراء مرفوض.
ومع تغير النظرة إلى التعليم عامة باعتباره يشكل أمنا وطنيا وطريق التنمية المستدامة في المجتمع تغيرت النظرة إلى دور التعليم ودور المدرسة ودور المعلم الذي لم يعد دوره قاصرا على التعلم الاجتراري، وصاحب هذا الدور وجود نقلة نوعية متجددة تعتمد على التفكير المبدع والإبداع الخلاق ، وأصبح على المعلم دورا مهنيا وثقافيا وفكريا وتطويريا، وأصبح المتعلم المشارك الفعلي والأساسي في التعليم وانتقل دور المعلم إلى دور المشرف والمرشد، في الفصل وبيئة المدرسة وفي المنظومة التعليمية التربوية إلى دور المشارك في رسم السياسة التعليمية والناقد الذي يقدم البدائل والمقترحات العملية والرؤى التي يقوم بدوره بتنفيذها في الحقل التربوي.
لقد كانت هذه الرؤية لمفهوم تطوير التعليم ومقتضياته وأساليبه هي المرتكز الأساسي الذي انطلقت منه رؤية تطوير التعليم المدرسي بسلطنة عمان؛ وأصبح لزاما على المعلم العماني أن يعي هذه الحقيقة ويعترف بالتطوير والتجديد ويقتنع به على أنه واقع لا مناص عنه تتطلبه القيم والأعراف الوطنية والدولية إذا أراد أن يعيش في مجتمع المعرفة ويلحق بركب الأمم المتقدمة، والتطوير الذي تنشده وزارة التربية والتعليم ليس وليد الصدفة أو من باب الترف بل عملية مخططة مدروسة في إطار منهجية علمية تتخذ من سياسات الدولة العليا رؤية لها، ترسم ملامحها، وتعزز من وجودها، فالرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020، وسياسات التنمية المستدامة للوطن التي أرسى دعائمها قائد البلاد المفدى – حفظه الله ورعاه- القائمة على أساس من التطوير والتجديد مع الأخذ بمبدأ الأصالة والمعاصرة والانفتاح المنهجي على الآخر وعلى أفكاره بما يسهم في تعزيز قضايا التنمية المستدامة ما هي سوى بعض الوقفات النوعية التي تستلهم منها مؤسسات الدولة المختلفة هداها وانطلاقتها لمرحلة البناء والتطوير والمسؤولية.
إن طريقة تفكير بعض المعلمين وآلية تعاملهم مع مقتضيات التطوير التربوي والمجتمعي تحتاج إلى وقفة متأنية بعيدة عن المنطلقات الأيديولوجية التي يفكر بها البعض والقائمة على التنكر للحقيقة وبعد عن الهدف الأسمى، والتي تتطلب في المقابل وعي المعلم بذاته وبالدور الذي يمارسه وقناعاته الفكرية والمنطلقات التي ساهمت في تعزيزها ومدى استعداده على تغيير الصورة القاتمة التي وضعها للآخرين حول التطوير والتجديد؛ وهذا يتطلب أن يكون لديه بصيص من الوعي والايجابية ويتساءل أين يريد أن يضع نفسه في خضم هذه المتغيرات، وأين يريد أن يكون موقعه في الخريطة العالمية والتربوية والمدرسية، التي هي بأمس الحاجة إلى المشاركة فيها بفاعلية، وأن يكون له ثقله ووجوده وموقعه الريادي بما يسهم في تعزيز دوره في تربية الناشئة ليس في محيطه المحلي بل الإقليمي والدولي على حد سواء.
إن ترسيخ مبدأ الحوار التربوي القائم على الرأي والرأي الآخر حاجة حيوية لا غنى عنها لأي معلم يؤمن بالتنوع، وحرية الاختلاف تعزيزا لمبدأ الوعي بجدوى الحوار باعتباره سبيلا للتفاهم المتبادل وتمهيدا لبناء شخصية المعلم القادر على التعامل مع متغيرات العصر، ويرتبط بمبدأ ثقافة الحوار تعزيز قيم الانفتاح الحضاري المسؤول للمجتمع مباشرة بالقيم الفاضلة من تقدير لكرامة الإنسان واحترام الإبداع العلمي والانفتاح على الثقافات الفرعية واستيعاب الكفاءات العلمية والفنية للشعوب، ويأتي هنا دور المعلم في توليد ثقافة التطوير، وتأكيد المساهمة الرئيسية للمعلم في تنزيل القيم على أرض الواقع المهني، كما يأتي دور الأصالة عند المعلم وضرورة استحضار العناصر الكلية من التراث الثقافي وتجاوز الخصوصيات وإعادة تشكيلها وتجديدها دون إضاعة هويتها ، ليعزز من طموح المؤسسة التربوية في المعلم المساند والداعم لجهود التطوير التربوي.
في ضوء ما سبق تأتي الإجابة عن السؤال حول المطلوب لتوجيه هؤلاء الأفراد بما يسهم في تعويدهم النقد الهادف وتوضيح الرؤية لهم وتعزيز ثقافتهم الايجابية النوعية التي ترتكز على المشاركة والحوار النقدي لكل الحقائق المعرفية القائمة على التفاعل مع المعطيات والتعامل مع التجديدات بروح عصرية فاعلة وتشريبهم الثقافة العالمية وتعويدهم على الكثير من القضايا العالمية التي هي في الأساس نابعة من توجهات المجتمع، مما يعني ضرورة توحيد الجهود المؤسسية والمجتمعية، بما يسهم في توحيد الرؤى وتوجيه القدرات وتعزيز الإمكانات من خلال بعض تنفيذ بعض البرامج الوقائية والتثقيفية والتوعوية والعلاجية التي تسعى إلى:
تعزيز صناعة القدوات من المعلمين بالمدارس من خلال إيجاد المعلم الأنموذج والقدوة بما يجعل منه عضوا فاعلا متفائلا، ويقدم صورة إيجابية عن الواقع.
حسن اختيار نوعية البرامج التي تركز على ملامسة الواقع واحتياجاته ومتطلباته وما هو متوقع منها؛ من خلال تعزيز أسس الحوار الثقافي والفكري وتعزيز قيم التنوع الثقافي والتسامح وتقبل الآخر والمواطنة والمسؤولية، مع اختيار الوسائل المناسبة لذلك من خلال أساليب القدوة والموعظة الحسنة والإقناع الهادف القائم على الدليل والبرهان، وحسن انتقاء المدربين ممن لديهم فكر توعوي وتوجهات إيجابية، بما يسهم في إثراء تفكيرهم التجديدي.
حسن توجيه الطلاب في مؤسسات الإعداد من خلال تعزيز الوعي بالفكر الإيجابي وتعزيز ممارسته لديهم من خلال تعريضهم لمواقف تعليمية مختلفة، وتعزيز الثقافة العالمية القائمة على النقد الذاتي الهادف الذي يسعى لتقديم البدائل ضمن أطر عملية تتيح فرص الترجيح في الآراء وتعددها دون إقصاؤها على رأي واحد.
وضع إجراءات ومعايير نوعية في اختيار من يقومون بالتدريس القائمة على انتقاء المعلمين بحيث تتم دراسة خصائصهم النفسية والاجتماعية والسيكولوجية والفكرية، بما يسهم في تعزيز قابليتهم للتجديد والتطوير، وقدرتهم على التغلب على مشاعر الخوف أو القلق التي قد تصادفهم وتعميق التصورات الإيجابية التي تدفع باتجاه تعميق الانتماء، وخلق دوافع المشاركة، عبر إبراز جوانب الخير التي يفيض بها المجتمع.
تعزيز مناخات الحوار الايجابي من خلال تعدد وتنوع اللقاءات وحلقات النقاش وتبادل الحوار، ولقاءات مع صناع القرار التربوي، وبالتالي كسر الحاجز بينهم وبين المسئولين في المؤسسة التربوية ومحاولة احتواءهم ، وإتاحة الفرصة لهم للنقد والتجريب والمبادرة.
وضع خطّة طموحة تقوم على إعطاء هؤلاء المعلمين دورات مختصة لتعليمهم الفكر العلمي الذي لا يقوم على شعارات عاطفية، إذ أنهم بحاجة لمعرفة كيف يعمل العقل وكيف تُناقش القضايا بشكل منطقي وكيف تتطور الأفكار وكيف تبنى الحقائق وكيف تُنقض وكيف يمكن الاستدلال والربط والاستنتاج وغيرها من العلميات العقلية التي يجهلها البعض بسبب انشغالهم بالخطاب المعتمد اعتمادا كاملا على شحن العاطفة ومن ثم توجيهها إلى هدف معين لا يوافق الأساسيات الفكرية لهذا الخطاب.
تنمية الوعي الثقافي لدى المعلمين من خلال تفهمهم للتغيرات العلمية الاجتماعية والاقتصادية على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي ومدى انعكاسها على المجتمع حتى تتكون لديهم خلفية ثقافية، وحتى يستطيعوا تواصل تفهمهم لمنطلقات التطوير من جانب آخر بما يسهم في تعزيز ثقافة التطوير وحس التجديد لديهم.
من أجل تحول وطني في مفهوم المواءمة بين التعليم وسوق العمل
من أجل تحول وطني في مفهوم المواءمة بين التعليم وسوق العمل؟
ماذا يريد القطاع الخاص من التعليم؟
وكيف يمكن لنظام التعليم أن يلبي احتياجات سوق العمل الوطني؟
وهل سيعمل مجلس التعليم على سد الفجوة الحاصلة في مفهوم المواءمة؟
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
10- 12- 2012م
Rajab.2020@hotmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يثير موضوع ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل تساؤلات عدة واستفسارات متنوعة تشوبها علامات التعجب والاستغراب والإنكار تارة والقناعة بأن ما أنجز على المستوى المؤسسي هو الحد المقبول وأن ما يتم في هذا الموضوع من ممارسة كاف تارة أخرى، في ظل عمل ما زال لم يتحول من مرحلة الاجتهاد الفردي المؤسسي، وفي هذا الاطار تظهر على السطح مجموعة من النقاط التي يفترض أن تكون بمثابة المدخل عند التطرق لموضوع المواءمة والإجابة عن التساؤلات التي طالما تتكرر على ألسنة القائمين على مؤسسات التعليم أو حتى توصيات البحوث والدراسات والتي لم تستطع إلى اللحظة إيجاد معالجة متوازنة واقعية مستدامة في الخروج من أزمة عدم المواءمة والوصول إلى مرحلة المواءمة المنشودة ، فما الذي يريده القطاع الخاص من التعليم؟، وهل لدى القطاع الخاص منظومة كفايات محددة يطلب من التعليم العمل بها؟ هذا في مقابل الأسئلة التي تتردد على ألسنه القائمين على القطاع الخاص بأن مخرجات التعليم غير قادرة على تلبية طموحات القطاع الخاص وتتسم بالجمود وعدم القدرة على التفاعل مع مستجداته، في حين ان الاجابة عن هذا التساؤل الأخير تكمن في السؤالين المطروحين سابقا؟ هذه الأسئلة وغيرها تتكرر وتعاد صياغتها بأساليب مختلفة لكنها تتمحور حول فكرة واحدة تشير بوضوح إلى أن الجميع يفتقدون إلى مؤشرات دقيقة واضحة في رصد فعل المواءمة ، وفي فهم متطلباتها، وفي قياس نواتج تحققها من عدمه والسبب في ذلك يكمن في أن القراءات كلها إنما تعطي مؤشرات تقريبية، وليست احتياجات دقيقة مشفوعة بالأرقام والإحصاءات، هذه النقاشات والمجادلات والمزايدات والمغالطات- ان صح التعبير تسميتها-عندما تقتصر على مجرد اتباع سياسة الكيل بمكيالين ولم يكن همها ايجاد مخرج من الأزمة أو الوصول إلى رؤية مشتركة تجمع جميع الأطراف ذات العلاقة على طاولة واحدة يتداول فيها الحديث عن كل حيثيات الموضوع للوصول الى حلول أو بريق أمل يخرج الموضوع الى حيز الفعل الوطني المشترك المستفيد من كل الفرص المتاحة والدعم الحكومي المعزز بالإرادة السامية لمولانا جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه في اهمية تقديم معالجة شاملة نوعية للموضوع تراعي جميع المتغيرات وتستشرف مستقبل الوطن ، كون أنه من أولويات المرحلة الحالية التي تمر بها السلطنة والمرحلة القادمة التي تستشرفها من خلال مراجعة سياسات التعليم وخططه وبرامجه وتطويرها بما يواكب المتغيرات،
إن الوصول إلى تحقيق الرؤية الطموحة من عملية المواءمة تتطلب نوعية جديدة من المعالجة تؤكد قبل كل شيء على أهمية قناعة الجميع بأن ما يتم تقديمه حاليا في هذا المجال إنما يأت كاجتهادات تقوم بها المؤسسات في إطار رؤيتها لمسؤوليتها الوطنية ، وبالتالي قد تفتقد أو تبتعد عن الممارسة الحقيقة للمواءمة، وفي الوقت نفسه أن يدرك الجميع الحاجة إلى فعل مشترك يؤطر ضمن استراتيجية وطنية ترسم الطريق للمواءمة وتؤصل لدى المؤسسات الثلاث ( التعليم المدرسي والتعليم العالي، وسوق العمل( القطاع الخاص) أهمية العمل من أجل تحقيق المواءمة، هذا بلا شك يدعونا قبل الدخول في خضم نقاشات هذا الموضوع أن نعي الطبيعة المتغيرة التي يستدعي المفهوم العمل في ظلها، فهي بمثابة محاور يستند إليها في أي مناقشة لموضوع المواءمة، وبالتالي فإن فهمنا لها هو دليل قناعتنا بما يمكن أن ينتج عن هذه المناقشات والتساؤلات من جهد وطني مشترك، وتتمثل في الآتي:
• الطبيعة المتغيرة لسوق العمل واتسامه بالديناميكية وسرعة التحول فما هو مقبول من تخصصات اليوم قد لا تكون له تلك الاهمية في سنوات قليلة قادمة .
• التحول النوعي في طبيعة المهارات المطلوبة بما يتواكب مع مهارات سوق العمل العالمية.
• وجود تغيير مستمر في احتياجات سوق العمل بتغيير السياسات والتوجهات الوطنية والمؤسسية، وبالتالي عدم وجود مؤشرات واضحة في العمل حول السقف من المهارات والنواتج التي تتوفر لدى الخريج في التعليم المدرسي خاصة.
• السياسة العامة للدولة وما تريده من التعليم، والشكل الناتج المتوقع منه.
• فلسفة التعليم وحدود عملها ومستوى المعالجة المطروحة لمحتواها النظري والفهم المتحقق لدى الآخر بشأنها، هذا بالإضافة إلى أن فلسفة التعليم بالسلطنة والإطار النظري العام الذي بنيت إليه يشير بوضوح إلى أن من بين غايات التعليم هو اكساب المتعلم مهارات العمل وقيمه، وليست المراد هنا مهارات تخصصية بل هي مهارات أساسية مرنة لا تتجاوز طبيعة المرحلة التعليمية ونوعية التعليم والذي يؤطر في حدود مناهجه ومادته ومحتواه وطبيعة الطالب في مرحلة التعليم المدرسي ، وهنا توجه الأنظار إلى التعليم العالي الذي يفترض أنه يعد الطالب لتخصصات محددة في القطاع الخاص أو سوق العمل
• التنوع في طبيعة عمل مؤسسات وشركات القطاع الخاص ذاتها.
• هل دور مؤسسات التعليم اعداد متعلم جاهز وذو قالب واحد محدد يلبي كل طموحات ومؤسسات القطاع الخاص؟
• نوعية السوق المحلي ذاته وقدرته على تلمس احتياجاته ذاتيا،
• مدى قدرة السوق المحلي على امتلاك خاصية استشراف المستقبل،
• هل توجد رؤية واضحة وموحدة بالقطاع الخاص حول ما يريده من التعليم؟ وهو ما يعني مدى امتلاك القطاع الخاص لرؤية واضحة مقننة متفق عليها بين جميع مؤسسات القطاع الخاص والشركات في سقف معين تريده من التعليم
• إن سوق العمل ما يزال غير مستوعب لخريجي بعض التخصصات النوعية في مؤسسات التعليم العالي، والدليل على ذلك أن الكثير من التخصصات النوعية التي ادركت مؤسسات التعليم العالي قيمتها وأهميتها على المستوى الوطني لم يستطع سوق العمل استقبال خريجيها لذلك اتجهوا لأعمال ومهام أخرى قد لا ترتبط بتخصصهم، لعدم وجود الميدان الحقيقي الذي يمكن أن تعمل فيه هذه الكفاءات.
• موضوع المواءمة الحاصلة هو أقرب للاجتهاد المؤسسي فلكل المؤسسة اجتهادات في فهمها للموضوع وتقديرها للوضع والإطار الذي تعمل فيه لتحقيق المواءمة. وهو ما يجعل في المقابل مؤسسات التعليم تثق بأن ما تقدمه في ظل عدم وجود رؤية واضحة معتمدة من سوق العمل هو كاف ويحقق الغرض من التعليم ويؤكد على سلامة النهج الذي انتهجته، كون مؤسسات سوق العمل لم تحدد المهارات التي تريد وهي تختلف من مؤسسة لأخرى وفي قطاعات متنوعة بسوق العمل الوطني
• امكانية وجود نقاط مشتركة يمكن الاستفادة منها في الجانبين للوصول إلى رؤية موحدة وطنية في ايجاد مواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
• إن فهم عملية المواءمة وتحقيق متطلباتها يستدعي النظر في مجموعة من الأمور من بينها السياسة العامة للدولة في التعليم وما تريده من التعليم، هل تريد أن تكون دولة سياحية أم تجارية، أم صناعية، وما نوع الصناعات هل ثقيله أم متوسط الخ، هذا بلا شك سيكون محدد عام يضع سياسات التعليم في إطار محدد وبالتالي هو أمر قد لا يكون لمؤسسات التعليم علاقة به بقدر ما هو رؤية عامة لسياسة الدولة وتوجهاتها المستقبلية،
• إن مما ينبغي الاشارة إليه هو أن السائد في العالم المتقدم كله هو أن التعليم المدرسي خاصة لا يعد الطالب لمهارات تخصصية ، بل مهارات الحياة المرنة، كما أن توفير شخص جاهز بكل المواصفات لا يمكن لمؤسسة معينة لوحدها تحقيقه بل هو عمل وطني مشترك تتفاعل فيه جهود كل المؤسسات المعنية ببناء الإنسان وصقل مهاراته، وما أشار إليه تقرير اللجنة الدولية لتطوير التعليم من مهارات اربع إنما يمهد لمرحلة التفاعلية في البناء المؤسسي ويؤصل لثقافة التكامل وتقاسم المسؤوليات بين المؤسسات في اعداد المتعلم لمهارات الحياة المختلفة.
من هنا تأت أهمية النظرة الشمولية المتسعة عند أي معالجة تتناول موضوع المواءمة، بحيث تضع في أجندتها القدرة على الاجابة عن كل التساؤلات المطروحة من قبل كل الأطراف، مشفوعة بالمعايير والمؤشرات والخطط والبرامج والأدلة ونواتج العمل والإحصائيات والأرقام والتي بلا شك تضع أطراف العمل الثلاث في مرحلة تحول جديدة تتطلب منها المزيد من التنسيق والتكامل والتفاعل والترابط وإيجاد أدوات قياس محددة وواضحة ومعايير أداء مقننه وإطار عمل محدد في إطار وطني يستشرف مستقبل المواءمة التعليمية ويضع مؤسسات التعليم العالي والتعليم المدرسي والقطاع الخاص الذي يمثل سوق العمل أمام مرحلة مهمة تضع في اولوياتها مراجعة شاملة لكل السياسات والخطط والبرامج ليست فقط على مستوى مؤسسات التعليم بل أيضا على مستوى منظومة القطاع الخاص بالسلطنة ليصل إلى مرحلة تتأكد فيها ثقة الإنسان العماني بما يمكن أن يؤديه القطاع الخاص من دور من أجل الإنسان، وثقة الحكومة بقدرة القطاع الخاص على الوفاء بتعهداته والالتزام بمسؤولياته التي تطلبتها مراحل التنمية باعتباره الشريك للحكومة في احداث التحول النوعي .
إن هذا التوجه يتطلب بلا شك أن تضع مؤسسات التعليم لنفسها معايير أداء محددة، ورؤى واضحة وهي بذلك تطرح لتحول نوعي يستشرف مرحلة جديدة من العمل التنموي المشترك الذي يفترض أن تنتهج فيه المؤسسات نهج أخرى تؤكد على الشراكة والحوار ووضوح الرؤية وبناء المعايير والشفافية والصراحة المؤسسية ، وبالتالي تتحول الثقافة السائدة من ثقافة الكيل بمكيالين ورمي التهم على الآخر، والتقليل مما يقدمه الآخر من جهود ومبادرات، إلى مرحلة العمل الوطني المسؤول الذي يعمل على انجاز متحقق ، وهي في الوقت ذاته فرصة لصياغة واقع جديد يبني على النقاط المشتركة وينطلق من مؤشرات عمل محددة تتفاعل في إطارها جوانب العمل الثلاث، وتنطلق من الحرص على صياغة رؤية وطنية مشتركة واضحة في هذا الموضوع تنقل مرحلة المواءمة من التنظير إلى الفعل الذي يظهر على شكل برامج وخطط وتوجهات ومشاريع ومبادرات ونماذج عمل محددة، وبالتالي لا بد من وجود صورة واضحة للمخرج من ازمة المواءمة التي تثار بشكل مستمر دون وجود رؤية واضحة تحتويها او تترجم عملها،
وعلى هذا فإن بناء رؤية واضح للقضية يخرج موضوع المواءمة من أروقة المجادلات والمناقشات القاصرة عن بلوغ الغاية وتحقيق الطموح والتي لا يتجاوز مرحلة الاتهام واثبات الذات والتنكر للأخر بما يقدمه مع أنها جميعا لا تخرج جميعها من دائرة الاجتهاد المؤسسي وتقدير كل مؤسسة للوضع والمجال الذي تعمل فيه طالما لا يوجد اتفاق وطني مؤسسي على نوعية الخريج المطلوب، هو طرح هذا الموضوع في سياق وطني على شكل ندوات ولقاءات نوعية متخصصة تجمع القائمين على هذه المؤسسات بهدف الوصول إلى رؤية وطنية موحدة تعالج موضوع المواءمة في إطار السياسة العامة للدولة وتضع مؤسسات التعليم أمام واقع فعلي يعزز من مسؤولياتها في المراجعة الشاملة لسياستها وخططها وبرامجها بما يقرب صلتها من تحقيق رؤية المواءمة المطلوبة التي يستشرفها الوطن، ويضع مؤسسات القطاع الخاص أمام مسؤوليتها الحقيقية التي تتجاوز تكهناتها في ما يقدمه التعليم من مخرجات وانطباعها القاصر عن الاثبات بالدليل والشواهد، وبالتالي دعوتها في مراجعة شاملة أيضا لسياستها وخطط وبرامجها وتشريعاتها والتزاماتها وقدرتها على احتواء الكفاءات الوطنية ، وهو ما يمكن أن يضعها امام واقع لا مجال لتجاوزه بحجج غير مقنعه، وبالتالي فهي رؤية لبناء عمل مؤسسي يتفق الجميع عليه يمكن للمؤسسات السير عليه والأخذ به، هذا الأمر أيضا يدعو مجلس التعليم إلى تبني آليات واضحة في رؤية المواءمة وإيجاد نسق محدد من الفعل الوطني القائم على التنسيق والتكامل بين مؤسسات التعليم وسوق العمل، فهل سنجد من يسعى لمبادرة وطنية بشأن المواءمة؟ هذا ما نأمله.
وإلى لقاء آخر