من أجل تحول وطني في مفهوم المواءمة بين التعليم وسوق العمل
دعوة للحوار ...
على الرغم من الاهتمام المتزايد بالمشاركة في التعليم من قبل جميع الأطراف المعنية بالعملية التعليمية ومن بينهم أولياء الأمور، والدراسات التي تناولت مفهوم المشاركة وأبعادها والعوامل المؤثرة فيها ودورها في حل بعض المشكلات التي يواجهها التعليم، والاهتمام الكبير الذي توليه مؤسسات التعليم في رؤيتها لأثر مشاركة أولياء الأمور في العملية التعليمية التعلمية من أجل تحقيق مصلحة الأبناء وزيادة فاعلية هذه المشاركة من خلال التوجهات النوعية للنظام التعليمي في إشراك أولياء الأمور في تعلم أبنائهم من خلال التوجيه المهني والتقويم التربوي وغيره.فإن الأمر لا يخلو من وجود وجهات نظر كثيرة وحوارات متعددة حول مفهوم هذه المشاركة المطلوبة من أولياء الأمور وأبعادها وحدودها، وفيم هي، وكيف تتم؟ وتثار حول مفهوم هذه المشاركة الكثير من التساؤلات المتعمقة لمضمون ومحتوى هذه المشاركة، وإلى أي مدى يعطي واقع المشاركة الحالية تفاؤلا حول جدية أولياء الأمور وقدرتهم على تحقيق تكامل نوعي مع المدرسة في جهودها؟ والواقع الحالي لدور أولياء الأمور في العملية التعليمية؟ وتأتي التساؤلات التالية كمحددات عامة يمكن في ضوئها الوصول إلى بعض الحوارات أو وجهات النظر التي يظهر لنا من خلالها إلى أي مدى يمكن أن نعطي موضوع المشاركة المتعمقة أولوية أو مساحة واسعة في كتاباتنا ورؤيتنا لمشاركة ولي الأمر في العملية التعليمية، فما الحدود المسموحة لولي الأمر للمشاركة في عملية التعليم والتعلم؟، وهل تقتصر عملية المشاركة على المتابعة المستمرة لأولياء الأمور لتعلم أبنائهم وتواصلهم مع المدرسة وتوفير البيئة المنزلية المناسبة لتعلم أبنائهم وتواصل أولياء الأمور مع المدرسة وحضور مجالس الآباء والمعلمين، والمشاركة في حل بعض المشكلات السلوكية التي تحصل من بعض الطلاب في المدارس؟ أم أن عملية المشاركة تشمل كذلك إشراك أولياء الأمور في رسم السياسات التعليمية على مختلف المستويات والمشاركة في صنع القرار التربوي؟ وهل تعني المشاركة أن أتيح لولي الأمر أن يتخذ قرار فيما يخص المدرسة إذا ما علمنا بأن هناك الكثير من العادات والتركيبة الاجتماعية القبلية في المجتمع العماني قد يكون لها تأثيرها في ذلك؟" ما مدى ثقة ولي الأمر في المعلم العماني؟ وإلى أي مدى يعطي ولي الأمر ثقته في المؤسسة التربوية؟ وماذا تعني النظرة المتدنية من قبل بعض أولياء الأمور للمعلم العماني ودوره؟ ماذا يعني ما يتعرض له المعلم من بعض أولياء الأمور في بعض المناطق التعليمية من تصرفات في مقاضاة المعلم أمام الأجهزة الأمنية والمحاكم الشرعية؟ وهل ولي الأمر جاد في المشاركة من أجل تكامل الجهود وتعزيز الرؤى؟ لماذا يحمّل أولياء الأمور المدرسة أكثر من طاقتها؟ ماذا يعني تهجم بعض أولياء الأمور على المعلمين في الصفوف الدراسية بمجرد سوء تفاهم بسيط حصل بين الطالب والمعلم؟ إن بعض الكتاب - وللأسف الشديد لديه كثير من التفاؤل في قضية المشاركة- وأقصد بها هنا مشاركة ولي الأمر في اتخاذ القرار التربوي ورسم السياسة التعليمية على المستوى الوطني-، ويتعامل معها على أنها من الأولويات التي على منظومة التعليم أن تتعامل معها بكل شفافية، مستندين إلى توصيات البحوث والدراسات التي لا تتعدى الجانب التنظيري؛ متناسين إلى حد بعيد أثر الثقافة والقيم والعادات والتقاليد السائد في المجتمع العماني في الحسبان، وكأن الأمر مجرد عبارات رنانة يمكن أن تطبق في واقع أي مجتمع. إن من الحكمة بمكان عند طرح هذه القضايا في بيئتنا وثقافتنا العمانية أن نراعي مدى إمكانية التطبيق ومدى توفير المناخ والثقافة المناسبة والكفاءات الواعية لمثل ذلك؟ إن ما يحدد هذه الجوانب من تلك هو إلى أي مدى يمكن أن تسهم الثقافة السائدة في المجتمع عامة ولدى أولياء الأمور خاصة في تحقيق فاعلية هذه المشاركة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تحقق هذه المشاركة أهداف وغايات وزارة التربية والتعليم؟ وهل هذه الشراكة المقصودة تتماشى مع أهداف وغايات الدولة من التعليم باعتباره يشكل بعدا أمنيا وطنيا وطريقا نحو التنمية المستدامة. لننزل إلى الواقع الممارس من قبل ولي الأمر في المدارس، ماذا نجد؟لعل الجميع يتفق معي بأن القلة القليلة من أولياء الأمور من يصلون إلى المدرسة ويسألون عن أبنائهم، القلة القليلة من تتابع أبنائها، وتستجيب لنداءات المدرسة بزيارتها؟، غالبا ما يلقي ولي الأمر فشل ابنه/ابنته في نهاية العام الدراسي على المدرسة، دون أن ينسب لنفسه عدم اهتمامه بابنه؟ في الغالب الأعم لا يأتي ولي الأمر للمدرسة إلا إذا كان يريد البلاغ عن معلم بأنه ضرب ابنه أو... أو... ؟، ما رأيكم في ولي الأمر يأتي للمدرسة يتهجم على المعلم وإدارة المدرسة لسبب قد لا تكون له علاقة بالمدرسة؟ لماذا يتصرف الكثير من أولياء الأمور بأساليب غير تربوية بمجرد أنه سمع من ابنه حديثا حول معلم ما؟ هل ولي الأمر يحترم المعلم العماني مثل ما كان آباءنا يحترمون المعلمين الوافدين؟ لماذا يتحامل بعض أولياء الأمور على المعلمين لأسباب شخصية، ويحاولون بكل الوسائل إبعادهم من هذه المدرسة أو تلك؟ ماذا يحدث في مجالس الآباء والأمهات؟ ومن الذين يحضرون؟ كيف ينظر ولي الأمر لعمليات التطوير الحاصلة في المنظومة التعليمية؟ هل يوجد لدى أولياء الأمور الفقه التربوي المناسب لإشراكهم في اتخاذ القرار ورسم السياسة التربوية؟ إذا كانت المشاركة المتوقعة تؤدي إلى الضرر فنقول بلى من هذه المشاركة، فلا ضرر ولا ضرار؟ هل ولي الأمر على وعي باستراتيجيات التنمية المستدامة التي تتبناها مؤسسات الدولة؟ إن المتتبع لتوجهات الوزارة في السنوات الأخيرة يلحظ بوضوح إلى أي مدى استطاعت الوزارة أن تشرك قطاعات المجتمع المختلفة في خطط التطوير التربوي، وإلى أي مدى استطاعت الوزارة أن تجعل من عملية المشاركة المجتمعية في التعليم واقعا ملموسا، لهذا فإن النموذج الذي اعتمدته الوزارة في إدارة عملية التطوير يركز على الأهمية القصوى لتعاونها بشكل وثيق مع جميع الشركاء (الأطراف الرئيسة والمعنيين بالتعليم وتطويره) على تلقي دعمهم ومساندتهم في عمليات التطوير التربوي التي تضطلع بتنفيذها؛ وتتمثل هذه الأطراف في الطلاب وأولياء الأمور والهيئة التدريسية والإدارية والوظائف الإشرافية المرتبطة بها، ومؤسسات التعليم العالي والجامعات ومؤسسات القطاع الحكومي والقطاع الخاص ممن يمثلون سوق العمل في السلطنة ويتم التعاون بين الوزارة وهذه الأطراف عبر عملية التواصل وتبادل المعلومات بحيث تعمل في اتجاهين: تقدم الوزارة المعلومات إلى الجهات المعنية حول مشروعات التطوير التربوي وتتلقى منهم النصح والمشورة والتغذية الراجعة، وفي هذا المجال ركزت الوزارة على مجالين رئيسين حيث قامت أولا بإطلاق حملة إعلامية حول مشروعات التطوير، اشتملت الحملة على استخدام النشرات التعريفية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والمقالات في الصحف حول موضوعات متنوعة خاصة بمشروعات التطوير، أما المجال الثاني فيتمثل في إصدار عدد من الأدلة التوجيهية والوثائق المعلوماتية التي تم توزيعها على المدارس وأولياء الأمور؛ وقد أتاح هذا التواصل الفرصة للوزارة لإيصال التوجيهات الهامة مع جميع الأطراف المعنية بالتطوير التربوي وإدخال كثير من التحسينات والتعديلات قبل تطبيق أي مشروع أو برنامج تربوي بناء على الرجع الذي تتلقاه الوزارة من كافة الشركاء في العمل التربوي. وقد ترجمت هذه المشاركة من خلال رغبة الوزارة في التعرف على رؤية أولياء الأمور في المناطق التعليمية حول تجديد وتطوير التعليم ما بعد الأساسي، حيث كان للندوة الوطنية حول تطوير التعليم الثانوي ( للصفين 11، 12) والتي عقدت في 1-3 إبريل 2002م وما تبعها من ندوات ومؤتمرات ومنها المؤتمر الدولي حول تطوير التعليم ما بعد الأساسي عام 2002م، بمثابة تحد حاسم، استطاعت من خلاله الوزارة أن تثبت منهجيتها في الأخذ بالرأي والرأي الآخر، وهذه الرؤى التي نتجت عن هذه الندوات تعتبر مؤشرات لتطوير الخطة الدراسية للصفين (11، 12)، كل ذلك بهدف إتاحة فرصة المشاركة للجميع لكي يبدوا أرائهم ويعبروا عن احتياجاتهم. وتعزيزا لمفهوم المشاركة من أجل التكامل أيضا؛ فقد عملت الوزارة إلى إصدار أدلة إرشادية وتوجيهية لولي الأمر حول طبيعة مشاركته في العملية التعليمية عامة ودوره في دعم جهود المدرسة والمعلمين في النهوض بمستويات الطلاب التحصيلية وتعزيز جانب القيم والسلوك الإيجابي لديهم، وإعدادهم الإعداد المناسب لتحمل متطلبات الحاضر والتكيف مع المستقبل، ومن بين هذه الإصدارات مثلا، دليل ولي الأمر في الخيارات الدراسية للطالب " كيف أخطط مستقبلي"، ودليل ولي الأمر في التقويم التربوي للطالب، وتعاون ولي الأمر مع أخصائي التوجيه المهني في توجيه مسارات الطلاب حسب رغباتهم، وغيرها من الأدلة التي تهدف إلى إشراك ولي الأمر في تعلم الطلاب. والسؤال الذي يطرح نفسه هل المشاركة المقصودة هي أن تتعدى مشاركة أولياء الأمور إلى مرحلة متقدمة من حيث، إشراكهم في اختيار وتطوير المناهج الدراسية، هل في وضع الخطط الدراسية، هل في التشريعات والأنظمة والقوانين؟ هل في البرنامج التعليمي؟ هل المشاركة في اختيار المعلمين لمهنة التدريس أو اختيار الكادر الإداري للمدرسة؟ هل في تحديد الأنشطة المناسبة للطلاب؟ قد يقول قائل بأن هذا هو المفهوم المطبق للمشاركة في بعض الدول الأجنبية، وهنا نتساءل هل ولي الأمر في مجتمعنا مرشح فعلا لخوض هذه التجارب ويستطيع أن يحقق طموحات الوزارة نحو الارتقاء بالتعليم وتطويره؟ ولنسلم جدلا بأن قضية مشاركة أولياء الأمور تعتبر من القضايا الحساسة والمهمة، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، هل يمتلك ولي الأمر الثقافة والوعي بما يؤهله لاتخاذ القرار التربوي ورسم سياسات التعليم؟ أم أن المراد بالمشاركة هنا أن يعي ولي الأمر وتتولد لديه القناعة والرغبة في دعم جهود الوزارة أو المؤسسات التعليمية بشكل عام في مساندة جهود التطوير والوقوف معها، وعدم الوقوف موقف المقاوم للتطوير، هل المراد منها أن يكون ولي الأمر على علم بما يجري في الساحة التربوية ويتخذ منها موقف إيجابي من خلال تعزيز دوره في متابعة ابنه تحصيليا وسلوكيا، ومساندة المدارس في جهودها ومبادراتها، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لها، بحيث يكون ولي الأمر على صلة مباشرة مدعومة بقناعة ذاتية تامة بتوجهات التطوير التربوي بالوزارة؟ مما سبق ينبغي أن ندرك أن رغبتنا الحقيقية في إيجاد شراكة فعلية لأولياء الأمور في تطوير العملية التعليمية التعلمية بالمدارس تتطلب تكثيف الجهود وتقديم المبادرات العملية لتحقيق هذه الشراكة، وفي نفس الوقت ينبغي أن ندرك أن مسألة المشاركة ليست سهله؛ وإنما تحتاج إلى التخطيط الدقيق لها ودراسة الناتج المتوقع من هذه المشاركة، وبالإضافة إلى ذلك يتطلب الأمر المعرفة والفهم الواعي واستشعار الجدية والإصرار ووضع الأنظمة والتشريعات والإجراءات من أجل تنظيم وتنسيق الجهود؛ وباختصار فإن هذه المشاركة تتطلب ضرورة وجود تنسيق وتكامل بين المؤسسات التعليمية والمؤسسات الأهلية في المجتمع، بحيث توجه جهود أولياء الأمور والمدرسة بشكل متكامل لخدمة المتعلمين والارتقاء بمستوياتهم. فهل يظهر أولياء الأمور اهتماما بالتعليم والتعلم؟ من حيث تشجيع أبنائهم على مواصلة الدراسة وتحفيزهم لذلك ماديا ومعنويا؟ وهل يسأل أولياء الأمور أبنائهم عن المدرسة ويومهم الدراسي ووضعهم بالمدرسة؟ وهل يطلّع أولياء الأمور على الواجب البيتي لأبنائهم؟ وهل يقدمون لهم المساعدة في ذلك وما نوع هذه المساعدة؟ هل يوّفر أولياء الأمور مناخ التعلم والدراسة في البيت لأبنائهم بما يشجعهم على الجد والمثابرة؟ هل يتابع أولياء الأمور التحصيل الدراسي لأبنائهم؟ ما توقعات أولياء الأمور من أبنائهم، وماذا يتوقعون من المدرسة أن تقدم لأبنائهم؟ هل حدد أولياء الأمور نوع المشاركة التي يمكنهم تقديمها في سبيل تقدم أبنائهم ؟ من هنا تأتي الحاجة إلى فهم أعمق وأشمل لشراكة أولياء الأمور في التعليم ومستويات هذه المشاركة مراعية منظومة القيم والثقافة والأعراف السائدة في المجتمع وخصوصياته التي قد تؤثر على هذه المشاركة من قريب أو بعيد ، وبالتالي فإن الأمر يتطلب تفهم أعمق لصور هذه المشاركة وأساليبها وحدودها وضوابطها وآلياتها ومستوياتها بحيث يكون سعيها نحو تحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات التي تسعى الوزارة نحو تحقيقها، وأن لا ننساق إلى ما يكتب في هذا المجال على أنه هو الصواب وهو الذي ينبغي أن يكون في مجتمعنا العماني فقد لا يتوافق مع ما تشير إليه الأدبيات والدراسات من مثاليات مع أولوياتنا واهتماماتنا؛ ، لهذا فمدارسنا بحاجة إلى ولي الأمر الذي يقدم الرؤى المستقبلية والمبادرات النوعية والبدائل والخيارات التي من شأنها تطوير التعليم، والارتقاء بالعمل التربوي ولعل من المناسب أولا أن يثبت ولي الأمر ثقته بالمؤسسة التعليمية والمدرسية والمعلم العماني والمدير والمنهج، وأن يثبت للآخرين ثقته في توجهاته وأسلوبه وقدرته على التعامل مع قضايا العمل التربوية بطريقة تعتمد الدراسة والتعمق بحيث يصبح النقد الهادف البنّاء المدعم باقتراح الخيارات والبدائل هو المنهج الذي يمكن أن تبنى عليه عملية التطوير التربوي، وأن يتولد لديه الوعي والقناعة والاعتراف بالجهود التي تقوم به الوزارة في المشاركة المأمولة في تطوير العمل التربوي، وأن يعترف بالجهود المبذولة من كافة مؤسسات الدولة ومنها المؤسسات التعليمية والتدريبية المختلفة في سبيل تحقيق التكامل النوعي في تطوير التعليم؛ وبعدها يمكن لولي الأمر أن يطالب بمشاركة أعمق تمتد إلى مدخلات وعمليات العملية التعليمية وإلى تقويم مخرجاتها نحن إذاً مع المشاركة الفاعلة لأولياء الأمور في العملية التعليمية بدءا من مدخلاتها مرورا بعملياتها وانتهاء بتقويم مخرجاتها، غير أن هذه المشاركة ينبغي أن تبنى على وعي ودراية وقناعة؛ لذلك أعتقد بأنه ينبغي أن ينظر في عملية طرح نوعية مشاركة أولياء الأمور في التعليم في إطار الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمع العماني، وفي إطار الواقع المعايش، حتى لا تصبح تلكم التوجهات التي يطرحها بعض الباحثين والكتاب حول مفهوم الشراكة من أجل تكامل الجهود، مجرد أراء تحلق في عالم المثاليات ولا يتاح لها أن تصلها بأرض الواقع.